حمزة الفيل : رد على مقال النقابي محمد طاهر الشايب حول البحث العلمي والباحثين في تونس
بعد التحليل الممتاز لوضع التعليم العالي في تونس من طرف الأستاذ العميد صادق بلعيد الذي يعتبر من رموز التعليم العالي في تونس والذي تحمل عديد المسؤوليات المتعلقة بتسيير منظومة التعليم العالي العمومي والخاص، قدمت جريدة الموقف في عددها 549 الصادر في 4 جوان 2010 حوارا مع الدكتور محمد طاهر الشايب بعنوان "البحث العلمي في تونس يزداد تراجعا" حيث تهجم على الباحثين بمراكز البحث العلمي فعدهم من "الصنف الثالث من الأساتذة. وقدم المحاور الدكتور على انه "من بين قلة الباحثين الذين تركوا بصماتهم في مسيرة البحث العلمي ببلادنا"، وبالبحث عن مراجع بحثية ضمن مواقع عديدة بالانترنت كانت بصمة هذا النقابي الكبير في مجال البحث العلمي غائبة سواء في مستوى منظومة البحث أو في المستوى العلمي، كما لا يوجد اثر لمؤسسة بحثية واحدة من التي أدارها بفرنسا حسب ما جاء في نص الحوار. والسؤال المطروح ضمن أي صنف من الباحثين يمكن تصنيف أستاذ تعليم عال تقاعد ونشاطه العلمي مقتصر على أربع نشريات علمية يتيمة (1971، 74، 77 و91) بلغة موليار بالاشتراك مع 7 باحثين وكلها بقلم أساتذة فرنسيين واستشهد بها في 3 مناسبات فقط (حسب موقعwww.scopus.com يمكن الدخول إليه عن طريق موقع www.cnudst.rnrt.tn). علما أن مثل هذا العدد من النشريات لم يعد كافيا للالتحاق بالمؤسسات الجامعية أو البحثية ولو في خطة مساعد، على الأقل في مادة الكيمياء اختصاص أستاذنا، كما أن العديد من الأساتذة الباحثين في مراكز البحث في رصيدهم أكثر من 50 نشرية في مجلات علمية دولية مصنفة اغلبها غير ممضاة بقلم أجنبي، ثلاثة منهم بالقطب التكنولوجي بيرج السدرية يتراوح عدد نشرياتهم العلمية بين 70 و 90 (كما جاء في المقال "نخبة الباحثين الجامعيين يعاقبون في خمسينية الجامعة" المنشور بجريدة الطريق الجديد الصادرة في 5/9/2009). علما أن المعدل السنوي لعدد النشريات العلمية بالمخبر الواحد، والذي يمثل احد أهم المؤشرات الدولية لتقييم عملية البحث، .يزيد عن 14 نشرية بمراكز البحث بالقطب التكنولوجي ببرج السدرية في حين أن المعدل الوطني لا يتجاوز1,5 سنة 2009.
وفي ما يخص التحاليل المقدمة من طرف الدكتور المدرس، حول تراجع البحث العلمي، كانت عامة وخالية من أي معرفة دقيقة بمنظومة البحث العلمي والتكنولوجي التي شهدت أول قانون توجيهي لها (عدد 6-96) سنة 1996 والذي تلتها ترسانة من الأوامر والقرارات وآخرها الأمر (عدد 644-2009) المنظم لتسيير هياكل البحث والذي كرس البيروقراطية في تسيير هذه الهياكل ( وجهة نظر حول التنظيم الجديد لهياكل البحث: الجامعي عدد17 جوان 2009). فقد اختزل حسب تقديره مشاكل البحث العلمي في 3 أزمات رئيسية " أزمة سياسة وتسيير وأخرى تهم المسائل اللوجستية وأخيرا عقلية الباحثين غير الملائمة" فهذه الأسباب المقدمة هي بمثابة قوالب صالحة لكل زمان ومكان وتعتبر لغة خشبية عندما تقدم من أحد اشهر الوجوه النقابية في الجامعة التونسية في القرن الماضي. كما أن تعليقه على الإحصائيات الرسمية حول ارتفاع عدد الباحثين من 6583 سنة 1998 الى15833 سنة 2006 "لكن البحث العلمي لا يحسب فقط بعدد الممارسين ولا عدد المؤسسات وإنما المهم من ذلك بحجم إنتاجه" كان أمرا بديهيا ينطبق على كل المجالات. وهنا يبدو أن الأستاذ سلم بصحة هذا الرقم المشكوك فيه من طرف النقابيين الجامعيين والباحثين لأنه لم يعتمد مقاييس موضوعية، كما وقع انتقاده في الندوة حول البحث العلمي في تونس: الواقع والتحديات، التي نظمتها الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي يوم 7 افريل 2010.
كما اعتبر الأستاذ أن فترة 1976-1986 تمثل أزهى فترات البحث العلمي وأكثرها إنتاجا دون الاستناد إلى إي رقم أو دليل منطقي عدا الحنين إلى تلك الفترة الذهبية من العمل النقابي بالجامعة التونسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإدارة العامة للبحث العلمي لم يقع بعثها إلا سنة 1978 تلا ذلك إحداث صندوق خاص بالبحث العلمي والتكنولوجيا مول المشاريع القومية للبحث العلمي في بداية الثمينات. وهل لاختيار سنة 1986 علاقة بالقرار الوزاري المتعلق بإحداث، ولأول مرة في تونس، لوحدات بحث بمراكز البحث بالمعهد الوطني للبحث العلمي والتقني (INRST) الذي قوبل باستنفار كثير من الجامعيين والنقابيين آنذاك؟
كما يبدو أن أستاذنا النقابي غير ملم بمنظومة الأقطاب التكنولوجية بغض النظر عن جدواها من عدمها، فالانطلاق الميداني لشركات التصرف في الأقطاب التكنولوجية بدأ سنة 2007 وعددها لم يتجاوز 5 إلى حد الآن (تقرير الدورة11 للمجلس الأعلى للبحث العلمي والتكنولوجي 6ماس 2010) وهي تخضع للقانون التجاري ورئيسها فاقد لأي سلطة على مراكز البحث وعلى مشاريع البحث وتمويلها على عكس ما صرح به. كما أن شركات التصرف في الأقطاب، التي أصبحت تحت إشراف وزارة الصناعة والتكنولوجيا منذ التحوير الوزاري الأخير، لم تتمكن بعد من إرساء سياسة واضحة وفعالة لربط أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بالاقتصاد الوطني وبالتنمية الشاملة. وما يؤكد بعد الدكتور المدرس على منظومة البحث العلمي هو إجابته، في آخر الحوار عن "الحلول العاجلة للخروج بقطاع البحث العلمي إلى بر الأمان" التي كانت، رغم سطحيتها، تخص منظومة التعليم العالي ومطنبة في الحديث عن إصلاح التعليم بكل مراحله.
وبالعودة إلى التصنيف الغريب للباحثين بمراكز البحث بدا الأستاذ المتقاعد منذ 12 سنة متجاهلا أو غير عارف بانتمائهم إلى سلك المدرسين الباحثين الذين ينتدبون عبر مناظرات علمية وطنية كما نظمها الأمر عدد 1825-1993 المتعلق بضبط النظام الأساسي للمدرسين الباحثين بالجامعات. وهذا الأمر كان محل نقاش قبل صدوره، ضمن الهياكل العلمية والنقابية في الجامعة التونسية، على عكس التشريعات التي صدرت في السنوات الأخيرة محفوفة بالتكتم. كما أن الأستاذ والأمين العام المساعد سابقا المكلف بالدراسات ضمن المكتب التنفيذي للاتحاد الشغل (89-93) كان من الذين عارضوا بشدة صدور قانون الباحث القار في بداية التسعينات ويطالب الآن، متناسيا مرجعيته الوحيدة، بتطبيق التوقيت الإداري، خلافا للأمر المذكور أعلاه، على المدرسين الباحثين الذين يشتغلون في مخابر بدائية حسب زعمه.
أن أكثر ما أرهق منظومة البحث العلمي هو أولا عدم استقرار هيكلتها، بعد أكثر من 30 سنة من إحداث الإدارة العامة للبحث العلمي، والتي تتغير مع تغير سلطة الإشراف على البحث العلمي التي تغيرت في ما لا يقل عن 10 مناسبات منذ إحداث كتابة الدولة للبحث العلمي سنة 1991. وثانيا ظاهرة التطفل لدى بعض الباحثين على مجالات بعيدة عن اختصاصاتهم مع استعمال كل الوسائل غير الأكاديمية لتهميش الكفاءات المختصة خصوصا من الذين رفضوا انجاز البحوث بالوكالة أو الباحثين الشبان الذين يتمتعون بكفاءات عالية يمكن الاستفادة منها عبر إرساء سياسة الاعتراف بهذا الصنف من الباحثين. ومن الأمثلة الصارخة، على هذا التطفل العلمي، الهيمنة على جمعية علمية تتعلق بالزلازل من طرف أستاذ تعليم عال في مادة الكيمياء اختصاص "استخراج سائل- سائل" وإبعاد أهل الذكر من الجيو- فيزيائيين.
حمزة الفيل
أستاذ محاضر بمركز بحث وكاتب عام مساعد للنقابة الأساسية بالقطب التكنولوجي ببرج السدرية
المصدر : منتدى" الديمقراطية النقابية و السياسية "
الرابط : http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire