Pages

samedi 5 juin 2010

الصُّندوق الأسود: الجاهليّة المصرفيّة

الصُّندوق الأسود: الجاهليّة المصرفيّة !!




توفيق العيّاشي
صرّح الشيخ المختار السلامي مُفتي الجمهوريّة السّابق والرّئيس الحالي للهيئة الشرعيّة لبنك الزيتونة الإسلامي يوم 28 ماي 2010 في حفل افتتاح المصرف أن من أوكد مهام مصرف الزيتونة الإسلامي هو التمييز بين "الادّخار الايجابي والبناء المُفيد والادّخار السلبي" وأن البنوك الإسلامية عموما ظهرت "استجابة لرغبة عند كل مسلم يُريد أن يعيش إيمانه..في كلّ مجالات عيشه"..والعُهدة على سماحة المُفتي.

الثّابت أن أوّل ما يمكن أن يُحمل عليه قول رئيس الهيئة الشرعيّة لبنك الزيتونة الإسلامي، هو أن القطاع المصرفي والمالي في تونس قد شمله "الفتح الإسلامي" بتأسيس بنك الزيتونة، وأن عصر "الجاهليّة المصرفيّة" قد ولىّ وانتهى بما يعنيه من أن معاملات التونسيين مع حوالي 20 مصرف مُنتصب في البلاد قبل وصول مد الصيرفة الإسلامية إلى تونس كانت "معصية" و"مكروها » وذنوبا تمّحي بمجرّد الارتماء في أحضان الدّيانة الماليّة الجديدة والتعامل مع بنك الزيتونة. والله غفور رحيم

ذلك العصر الذي كان المسلم التونسي يتعامل مع البنوك الرّبوية فيُقدم على « وأد" مُدّخراته في مصارف "لا إسلامية" ويقبل على ارتكاب "معاصي" الاحتكار والمضاربة والتعامل بالرّبا لينتهي المطاف بهذه المنظومة المصرفيّة « الكافرة" إلى أزمة ماليّة خانقة أثبتت أن السياسات الماليّة لأعتى القوى الاقتصادية في العالم كانت تسير في ضلال مُبين إلى أن ظهرت البنوك الإسلامية، فكان لها "سوء العاقبة وبئس المصير »..
وقد يُفهم من مرامي خطاب سماحة المُفتي أنه قد آن الأوان لأن يُكمل التونسي بعضا من مُتممات دينه فيما يتعلّق بمعاملاته الماليّة التي أصبحت تقوم على إمكانية الشّراكة والمُتاجرة مع البنك الإسلامي، والتّجارة حلال، خاصة وأن هامش ربح البنك الإسلامي لا يتعدى 5 بالمائة مع إمكانية اقتراض التونسي من أجل شراء مسكن أو سيّارة أو غيرها من "ملذّات الدنيا الفانية »، على أن يستخلص البنك قروضه مع بعض الفائدة المُحللة شرعا ما دامت راية الإسلام خفّاقة فوق بناية المصرف.

بعد هذا الخطاب الذي يحضّ المسلم على إكمال عُشر دينه والادّخار في المصرف الإسلامي، رجّحت إدارة بنك الزيتونة أن أذرع البنك لا تطمح للامتداد على أكثر من 5 بالمائة من حصّة السّوق، وبالتالي لا خوف على "العرقيّات الماليّة" الأخرى من الاضمحلال مادام لكل فرد دينه المالي وأن الادّخار الايجابي أي الحلال بيّن و الادّخار السلبي أي الحرام بيّن وللمُسلم أن يعتنق ما يريد.. و "لا إكراه في الدين »..

خطاب سماحة المُفتي السّابق كان واضحا ويدلّ على أنّه حامل لفكر ديني معتدل ومنفتح لا يؤمن بفرض الديانة الماليّة الجديدة بحدّ السيّف بل أنه يقوم على مبدأ ضرورة الهداية بالحُسنى والترغيب لأن الدين يسر وليس عُسرا وأن تونس أرض "تلاقح الحضارات وحوار الديانات" يستطيع أن يتعايش فيها من يدّخر أمواله في "بنك الزيتونة" مع من يدّخر في "التجاري بنك" أو "بنك الأمان" بسلام ولا فرق بين هذا وذاك إلا بالتقوى الماليّة وبالمعاملة المصرفيّة الصّالحة التي حدد ملامحها فضيلة المُفتي.

هذا، طبعا ـ مع احتفاظ أصحاب المصرف بطموحهم المشروع بأن يُغطي الإسلام المالي كامل ربوع البلاد ويعتنقه جميع المواطنين، خاصة وأن أصحاب المصرف قد وضعوا هدف أن يبلغ عدد فروع بنك الزيتونة في البلاد 400 فرعا أي بمعدّل فرع لكلّ 7500 ساكن، وبالتالي يمكن للمواطن أن يمارس شعائره الماليّة (ادّخار، اقتراض، تحويل أموال...) بكل يسر وفي كامل أنحاء البلاد، مما يعني كذلك أن كل ما يحمل راية الإسلام قادر، بدفع من الأقدار السّماويّة، على تخطي عوائق المركزيّة التنمويّة والاقتصاديّة، فيحدث أن نجد، على سبيل سوء الذكر، ولاية أو معتمديّة أو بلديّة، لا يتوفّر فيها سوى مصنع وحيد وشوارع وأرصفة متآكلة وبنية تحتيّة متداعية، ولكن في المقابل تجد فيها أكثر من 3 فروع للبنك الإسلامي وعددا من الموزّعات الآليّة التي تغطي حتى الجهات النائيّة تلك التي لا تنشط فيها سوى ثقافة الاقتراض .

بعد كل ما سلف ذكره يعتري الجميع الأمل في أن يكون باب التوبة الماليّة مفتوحا لكل مواطن يريد أن "يتّقي الله" في معاملاته المصرفيّة وأن "ينتصر إلى راية الإسلام المالي" فينقل معاملاته إلى "بنك المُسلمين" رغم أن البعض ممن تُؤرّقهم مظاهر "الردّة" بدؤوا بإطلاق همهمات تحترز على تسمية المصرف وتوجّهاته وتحذّر من إمكانية اختلال موازين المنافسة في السوق المصرفية لفائدة مصرف الزيتونة وتنبّه إلى احتمال الانهيار السريع لبقيّة المنافسين في سوق المال، لاعتبارات يتداخل فيها ما هو ديني بما هو سياسي . كما يتساءل بعض المُشككين من "اليسار المالي" عن جوهر الاختلاف في معاملات المصرف الإسلامي مع بقيّة المصارف "اللا إسلامية" رغم اشتراكهم في الأهداف الربحية ونسبة الفائدة والفوائض، وهو ما قد يؤكّد قناعة البعض بأن الفارق بين البنك الإسلامي وغيره من "البنوك الربويّة" هو تماما كالفارق بين المُحجّبة المنحلّة والسّافرة الذي لا يتجاوز في عمقه حدود قطعة القماش التي تغطي الرأس، رغم استبعاد احتمال أن يفكّر البعض في بعث جمعيّة للدفاع عن "اللائكيّة المصرفيّة" على غرار جميع فروع اللائكيّة الأخرى التي ينادي بها أصحابها.

وبعيدا عن كلّ "التأويلات السلبيّة" لخطاب سماحة المفتي السّابق والتي يمكن أن تُعكّر صفو الفرحة بالانتقال من عهد "الجاهلية المصرفية" إلى عهد « الإسلام المالي" وجب التأكيد (من باب تسبيق الخير) أن نوايا أصحاب المشروع يمكن أن تتجه نحو المحافظة على مناخ التعايش بين بنك الزيتونة وبقية مكونات النسيج المصرفي التونسي، وأن اعتماد مصطلحات متنافرة كالادّخار الايجابي والادّخار السلبي والمصلحة العامة والمضاربات والاحتكار في الحملة الدعائية للبنك هو من قبيل الخطاب الدّعائي العفوي الذي يستند إلى نظرية "الآخر هو الجحيم". ومهما يكن من نوايا وخبايا الصدور فلا بد من أخذ قول سماحة المفتي محمل النوايا الحسنة إلى أن يتوضّح إن كانت فعلا تعبّد الطريق إلى الجحيم.
مع التمنيّات بتوبة ماليّة نصوح للجميع بعد أن تأكّد أن "الإسلام (المالي) هو الحلّ ».



المصدر : الطريق الجديد العدد 193 من 5 إلى 11 جوان 2010


المصدر  :  إعادة نشر منتدى" الديمقراطية النقابية و السياسية "


ملاحظة : النقاش يجري على صفحة الكاتب بالرابط التالي :
http://www.facebook.com/?ref=home#!/notes/tawfik-ayachi/-alsundwq-alaswd-aljahlyt-almsrfyt/399001876500

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire