أيها العمال هبّوا للدفاع عن آخر مكتسباتكم : الحكومة و القيادة الخائنة للاتحاد يستعدان لتصفية تقاعد الأجراء و نهب عرق حياة كاملة من العمل
****
مختص في القانون الاجتماعي لـ «الشروق»: هـــذه شـــروط إنجاح إصلاح أنظمة التقاعد
السبت 5 ماي 2012
تونس (الشروق)
نظر مجلس وزاري انعقد يوم الجمعة 21 ماي 2010 باشراف الرئيس زين العابدين بن علي في وضعية منظومة التقاعد وتوازناتها المالية على ضوء الاصلاحات التي شهدتها مختلف أنظمة التقاعد مستعرضا التطورات المتوقعة لهذا الوضع في ظل التحولات الديمغرافية والنمو الاقتصادي وبرامج التشغيل، وتدارس المجلس بالخصوص سبل تجسيم المحور الوارد بالبرنامج الرئاسي «معا لرفع التحديات» والمتعلق باصلاح منظومة التقاعد بما يؤمن حقوق كل الأطراف ولا سيما المضمونين الاجتماعيين وعائلاتهم ويسهم في تحقيق توازناتها المالية الى حدود 2030.
تواصلا مع هذا الملف وانسجاما بما أوصى به رئيس الدولة بأن تكون الاصلاحات التي تتطلبها منظومة التقاعد محل حوار وتشاور بين كل الأطراف المعنية بما يؤمن مقومات ديمومة أنظمة التقاعد وايفاءها بتعهداتها ومواصلة تحقيق أهدافها الاجتماعية، تلتقي «الشروق» اليوم مع مختص في القانون الاجتماعي هو السيّد حافظ العموري (دكتور دولة وأستاذ مبرز في القانون الاجتماعي بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية) الّذي أجاب مشكورا على أسئلتنا التي تمحورت حول ضرورات الاصلاح المزمع تنفيذه وسبل انجاحه.
أجرى الحديث: خالد الحدّاد
ومن المؤكّد أن تعميق الرؤى والتصورات وطرح كلّ الفرضيات الممكنة والسماع الى كلّ المقاربات الّتي تهمّ الموضوع ستكون هي الباب الرئيسي لضمان أوفر السبل أمام انجاح هذا الاصلاح الّذي ستكون له انعكاسات هامّة خلال السنوات والعقود المقبلة، وهذا التأكيد ربّما كان من أهمّ خلاصات هذا الحديث مع الدكتور العموري:
خلافا لأنظمة التأمين على المرض التي كانت تتطلب اصلاحا فان المضمونين الاجتماعيين لم يشتكوا من نقائص في أنظمة التقاعد فلماذا هذا الاصلاح اذن ؟
ـ نقائص النظام الصحي كانت ظاهرة لكن نقائص أنظمة التقاعد خفية وأعمق بكثير لأنها مؤجلة.
نفهم من كلامك أن هذه الأنظمة مهددة بالعجز المالي ان لم يقع اصلاحها؟
ـ نعم وبكل تأكيد وعلى المدى القريب سينخرم التوازن المالي لهذه الأنظمة في القطاعين الخاص والعام بنسق متسارع ولذلك أذن سيادة الرئيس ببداية الاصلاح وكل تأخير سيعقد هذه الوضعية.
ولكن ما هي العوامل المتسببة في هذه الوضعية ؟
ـ كثيرة ومتداخلة وأهمها التقلبات الاقتصادية والمالية العالمية بالرغم من أنها لم تؤثر كثيرا على الاقتصاد التونسي فتسريح العمال واحالة البعض الآخر على التقاعد المبكر لأسباب اقتصادية له تأثير مضاعف على التوازن المالي بصرف الجرايات قبل السن القانوني والحرمان من المساهمات اضافة للتحولات الديمغرافية التي لا نجدها الا في البلدان الغربية والمتمثلة في انخفاض نسبة الولادات والوفيات مقابل ارتفاع مؤمل الحياة وما ينجر عن ذلك من دفع جرايات لمدة أطول مما هو متوقع لها.
ولكن هذه العوامل عالمية وتتعرض لها البلدان المتقدمة بالخصوص فكيف كان تأثيرها على أنظمة التقاعد وكيف واجهتها هذه البلدان؟
ـ كل البلدان الغربية تقريبا راجعت أو بصدد مراجعة أنظمة التقاعد بها، نحو الترفيع في نسب المساهمات وسن التقاعد والتخفيض في الجرايات وبالتالي فان هذا الاصلاح ليس خاصا بتونس بل فرضته التحولات الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية في البلدان الغربية وتونس أقرب الى هذه البلدان منها الى البلدان العربية والافريقية خاصة اجتماعيا وديمغرافيا.
أليس من الصعب تحقيق توافق على موضوع حساس كهذا ؟
ـ في بعض البلدان الحكومات قررت الاصلاح بطريقة أحادية الجانب لأنه يدخل ضمن سياساتها الاجتماعية والاقتصادية لكن في تونس كل الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية هي محل توافق بين كل مكونات المجتمع المدني وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل ونعتقد أن الثقة والشفافية التي عرف بها وزير الشؤون الاجتماعية خلال اصلاح نظام التأمين على المرض ازاء كل الأطراف المتدخلة ستساهم بقسط كبير في انجاح هذا الاصلاح.
لندخل في صلب الاصلاح حول سن التقاعد ونسب المساهمات ونسب الجرايات ؟
ـ انجاح هذا الاصلاح مسؤولية وطنية ويتطلب شجاعة وواقعية وعدم استثناء أي فرضية فلا وجود للمحظورات، ونرى أنه لا مفر من الترفيع في سن التقاعد والتخفيض في نسب الجرايات، أما الترفيع في نسب المساهمات فنراها الحل الاضطراري والعاجل.
لكن ألا تعتقدون أن هذا الترفيع سيزيد في نسبة البطالة ؟
ـ العلاقة بين سن التقاعد والبطالة ليست آلية وسببية فالاحالة على التقاعد لا تساوي تشغيل وتمديد سن العمل لا تساوي بطالة فجل مؤسسات القطاع العام تشكو من تضخم عدد الأعوان والانتدابات في تراجع أما في القطاع الخاص فالاستثمار هو المحدد الرئيسي لنسبة البطالة.
السن المحدد حاليا بستين سنة في الأنظمة الرئيسية للتقاعد في القطاعين العام والخاص، كم يجب أن يكون للمحافظة على الموازنات المالية لهذه الأنظمة الى حدود 2030 ؟
ـ حدد سن التقاعد في تونس بـ 60 سنة منذ أن كان مؤمل الحياة في حدود 46 سنة وهذا المؤمل تجاوز حاليا 74 سنة ونرى أنه يمكن الترفيع في سن التقاعد في القطاع العمومي الى 63 سنة وفي القطاع الخاص الى 61 سنة مع امكانية البقاء في العمل الى 65 سنة في القطاعين باتفاق الأجير والمؤجر واحتساب كامل المدة في مردودية الجرايات لتجنب العمل المؤجر المقنع للجمع بين الجراية والأجر.
لماذا هذا التمييز بين أعوان القطاعين بينما كان من المنتظر توحيد أنظمة التقاعد في نظام واحد وصندوق واحد ؟
ـ توحيد سن التقاعد غير ممكن بحكم اختلاف ظروف العمل وشروطه ليس فقط بين القطاع العام والخاص بل وفي نفس القطاع أما تجميع هذه الأنظمة تحت ادارة صندوق وحيد فلا فائدة منه فالتمييز اذن راجع الى عدة عوامل أهمها ظروف العمل التي مازالت في القطاع العمومي أفضل مما هي عليه في القطاع الخاص اجمالا وتأخر سن الدخول للعمل في القطاع العمومي وبالتالي تمكين هؤلاء الأعوان من فترة أطول في العمل للحصول على جراية أفضل وعموما فان مردودية الأجير تنخفض وأجره يرتفع في القطاع الخاص مع السن بنسق أسرع مما عليه في القطاع العمومي وهو ما من شأنه أن يحد من القدرات التنافسية لمؤسسات هذا القطاع.
هل يكفي الترفيع في سن التقاعد لتجنب اختلال الموازنات المالية ؟
ـ لا بالطبع لأنه اذا أردنا الاقتصار على الترفيع في سن التقاعد يجب أن لا يقل ذلك عن 65 سنة في القطاعين ولكي لا نصل الى ذلك يجب أيضا تخفيض طفيف في نسبة الجرايات دون تأثير هام على القدرة الشرائية للمتقاعدين.
أنظمة التقاعد في تونس سخية جدا حيث تصل الجرايـــات الى 90 % في القطاع العمومي و 80 % في القطاع الخاص ، وهذا معطى صحيح ولا أحد يشك في ذلك ولا وجود لأي مقارنة بين أنظمة التقاعد في تونس وأنظمة جل البلدان العربية والافريقية بل وعديد البلدان الغربية وحتى وان كانت النسب متقاربة فان مردوديتها في تونس أرفع بكثير.
هل لكم توضيح ذلك بالأرقام ؟
ـ نسبة التعويض taux de remplacement في تونس وصلت الى حدود 68 % كمعدل عام بينما في فرنسا حوالي 50 % ونلاحظ في تونس أن العديد من الأجراء يتقاضون جرايات تساوي أجورهم الفعلية منذ الاحالة على التقاعد وبالترفيع الآلي فيما تصبح ارفع من هذه الأجور ولكن هذا لا يحجب وجود جرايات ضعيفة لا تتجاوز 2/3 الأجر الأدنى أو حتى منح شيخوخة في حدود ½ الأجر الأدنى.
كيف ترون اذن هذا التخفيض في نسب الجرايات؟
ـ حاليا نسبة الجراية في النظام العام بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية CNRPS تصل كما ذكرتم الى 90 % مقابل 40 سنة عمل وفي نظام الأجراء غير الفلاحيين في الصندوق الوطنــــــي للضمان الاجتماعي CNSS الى 80 % مقابل 30 سنة عمل ونقترح أن تصبح 75 % دون التمييز بين القطاعين مقابل مدة عمل 30 سنة في القطاع الخاص و 35 سنة في القطاع العام.
ولكن ألا ترون أن التخفيض بـــ15 نقطة في القطاع العمومي مبالغ فيه ؟
ـ نسبة 90 % في القطاع العمومي أصبحت نظرية لأنها تتطلب العمل في سن 20 سنة للتمكن من العمل لمدة 40 سنة وهذا لم يعد ممكنا الآن بفضل تطور التعليم الجامعي وبالتالي تأخر سن الدخول للعمل فالتخفيض الحقيقي في القطاعين بــ 5 نقاط فقط.
وهل هناك مبرر لاختلاف الأجر المرجعي الذي على أساسه تحتسب الجرايات حاليا ؟
ـ يحتسب الأجر المرجعي في القطاع الخاص على أساس معدل أجور العشر سنوات الأخيرة محينة سنويا وبسقف 6 مرات الأجر الأدنى ونظام تكميلي عند انخراط المؤسسة به أما في القطاع العام فهو مبدئيا آخر أجر قار باخضاعه للمساهمات لمدة 3 سنوات أو الأجر الأرفع التي تحصل عليه العون في حياته المهنية لمدة سنتين متتاليتين مع اخضاعه للمساهمات لمدة 3 سنوات أيضا. ونرى أنه يمكن اعتماد معدل أجر العشر سنوات الأخيرة محينة في القطاعين علما أنه في بعض البلدان حدد الأجر المرجعي بمعدل أجور كامل الحياة المهنية وفي بلدان أخرى بمعدل يتراوح بين 20 و 25 سنوات الأخيرة. وأعتقد أنّ الترفيع في نسب المساهمات وحده لا يحل مشكل انخرام التوازن المالي بل يؤجل اندلاعه فهو الحل الأسهل، أما اذا كان في اطار اصلاح شامل فقد يساهم بشكل فعال في ديمومة أنظمة التقاعد لفترة طويلة ونرى أن هذا الحل يبقى قائما على أن لا يتم اللجوء اليه الا بعد دراسة مردودية الحلول الأخرى المقترحة آنفا أو كحل عاجل ومحدود في انتظار أن تعطي الحلول الأخرى مفعولها فهذا الترفيع سيحول جزءا من القدرة الشرائية من الأجراء الى المتقاعدين وقد يؤثر سلبا على القدرة التنافسية للمؤسسات خاصة في القطاع الخاص.
لماذا لا تساهم الدولة في تمويل هذا الاصلاح بتحمل الترفيع في المساهمات عوضا عن الأجراء والمؤجرين ؟
ـ نظام الضمان الاجتماعي في تونس نظام مهني منذ انشائه أي يعتمد في تمويله على مساهمات المؤجرين والأجراء خلافا لبعض البلدان الأخرى ومساهمة الدولة في تمويل هذا الاصلاح ستقتطع من ميزانية الدولة الممولة بالأساس من طرف المؤجرين والأجراء وبالتالي لا شيء سيتغير لأن هؤلاء من سيتحمل في الأخير القسط الأكبر من هذه المساهمات.
هل هذه الاصلاحات يجب أن تنطبق أيضا على مختلف أنواع التقاعد المبكر؟
ـ نرى أن نفس نسب الترفيع والتخفيض تنطبق على التقاعد المبكر وخاصة السن الذي لا يجب أن يقل عن 55 سنة باستثناء نوعين وهما التقاعد لأسباب اقتصادية لتمكين المؤسسات من تخفيف أعبائها المالية لتحسين قدرتها التنافسية والمسرحين من جرايات والنوع الثاني التقاعد لأسباب صحية لأنه يوفر للمضمون الاجتماعي جراية في اشد الحاجة اليها.
هل يجب مراجعة الأنظمة الخصوصية الخاضعة للتنفيل ؟
ـ اذا أردنا أن يكون الاصلاح شاملا نعم فمؤمل الحياة مثلا تحسن لكافة السكان وليس للبعض دون الآخر ولكن في المقابل نرى أنه يجب المحافظة على امتيازات أنظمة التقاعد في الأعمال المرهقة والغير صحية بل ويجب مراجعة قائمتها نحو حذف البعض واضافة البعض الآخر لأن هذه القائمة قديمة وتجاوزها تطور ظروف العمل والتكنولوجيات الجديدة.
يقال دائما إن آلية مراجعة الجرايات في القطاع العمومي أثقلت كاهل الصندوق ؟
ـ هذا القول كان صحيحا ولا نعتقد أنه كذلك في الوقت الحاضر بعد اخضاع الزيادات في الجرايات الى المساهمات وللتذكير تعتمد هذه الآلية على الترفيع في الجراية بنفس نسبة الترفيع في أجر العون المباشر لنفس العمل وهي أنجع وسيلة للمحافظة على القدرة الشرائية لأصحاب الجرايات أما في القطاع الخاص فتعتمد نسبة الترفيع في الأجر الأدنى المضمون نظرا لاستحالة التحكم في تطور أجور هذا القطاع الا في حدودها الدنيا.
نلاحظ أن جل اصلاحات أنظمة التقاعد في العالم أدخلت نسبة من الرأسملة capitalisation في تمويلها فلماذا لا يقع اللجوء الى هذا الحل في تونس ؟
ـ اعتمدت تونس على النظام التوزيعي القائم على التكافل بين الأجيال بحيث ندفع المساهمات لتمويل جرايات المتقاعدين حاليا والجيل الذي يأتي بعدنا سيمول جرايتنا وكذلك بين نفس الجيل، أما نظام الرأسملة فهو نقيض النظام التوزيعي ولا نرى امكانية اعتماده في تونس وقد بينت الأزمة المالية الأخيرة خطورته بافلاس عديد صناديق التقاعد ومن يريد تحسين جرايته أو حتى مضاعفتها له ذلك عن طريق أنظمة رأسملة تعاقدية لدى شركات التأمين وهذا موجود حاليا سواء في شكل تأمين على الحياة أو تقاعد تكميلي.
إذا اعتبرنا أن الأنظمة الحالية حقوق مكتسبة لا يمكن تطبيق الإصلاح إلا على المنتدبين الجدد بعد دخول قانون الإصلاح حيز التطبيق ؟
ـ اذا ذهبنا في هذا الاتجاه فان الاصلاح لا يطبق كليا الا بعد 30 سنة في القطاع الخاص و 40 سنة في القطاع العام وفي هذه الحالة لم يعد ينفع أي اصلاح الا بتخفيض جرايات التقاعد الى الربع أو رفع نسبة المساهمات في أنظمة التقاعد وحدها الى معدل يفوق 50 % من الأجر في القطاعين الخاص والعام ولذلك نرى أن الاصلاح لا يجب ان يتستثني الا المحالين على التقاعد في تاريخ صدوره ويطبق فوريا على المباشرين على مراحل.
لو تلخص لنا ما تقترحه من توجهات ؟
1) التنازل عن بعض الامتيازات والحقوق المكتسبة أخلاقيا وليس قانونيا (لأنها لم تكتسب بعد) في سبيل ديمومة أنظمة التقاعد للأجيال القادمة.
2) تحقيق توازنات مالية الى حدود سنة 2030 يتطلب المزج بين مراجعة عدة معطيات في آن واحد أهمها السن ونسب الجرايات والمساهمات والأجور المرجعية والاقتصار على معطى واحد سيثقل كاهل الجيل الحالي بصفة مفرطة دون تحقيق ديمومة الأنظمة للأجيال القادمة.
3) التخفيض في نسبة البطالة هو الحل الجذري لتحقيق التوازن المالي للضمان الاجتماعي ولكنه الأصعب لأنه مرتبط بالتقلبات الاقتصادية العالمية بالأساس.
الرابط : http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire